بالتعاون مع جائزة الشيخ حمد للترجمة - مؤتمر شانغهاي للترجمة: نحو عصر ذهبي للتواصل الصيني-العربي



شهدت جامعة شانغهاي للدراسات الدولية يوم 23 سبتمبر 2025 فعاليات مؤتمر "حركة الترجمة الصينية – العربية في شنغهاي: الواقع والمأمول"، وذلك في إطار الجولة الموسعة التي يقوم بها وفد جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في الصين، والتي شملت مدينتي بكين وشنغهاي. وقد جمع المؤتمر نخبة من الأساتذة والباحثين والمترجمين من الجانبين الصيني والعربي، في لقاء علمي وأكاديمي هدفه تعزيز جسور التبادل الثقافي وتقديم رؤية متكاملة لواقع حركة الترجمة بين اللغتين العربية والصينية وآفاقها المستقبلية.

في مستهل المؤتمر، رحّب أ.د. وانغ يو يونغ (فيصل)، مدير معهد دراسات الترجمة بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، بوفد الجائزة، مؤكدًا أن الترجمة جسر للتواصل بين الشعوب وليست مجرد نقل للكلمات، بل وسيلة لإيصال المعاني والمشاعر وتعميق الفهم المتبادل. وأشاد بالدور الرائد لجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في تكريم المترجمين وفتح آفاق أوسع للتعاون الثقافي، معربًا عن تطلعه إلى تعزيز الشراكة بين الجانبين لإعداد جيل جديد من المترجمين وترسيخ جذور الصداقة بين الحضارتين الصينية والعربية.

ومن جهته، أعرب د. محمد الأحمري، المدير العام للجائزة، عن سعادته بانعقاد المؤتمر، مؤكدًا أن الترجمة هي السبيل الأصدق للتفاهم المباشر بين الشعوب بعيدًا عن وساطة الأطراف الأخرى. وأوضح أن جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تسعى إلى أن تكون منارة للتواصل الحضاري، داعيًا إلى مزيد من الجهود المشتركة لتعزيز التعارف والمعرفة المتبادلة بين الصين والعالم العربي.

تخللت المؤتمر سلسلة مداخلات شكلت لوحة متنوعة من التاريخ إلى الأدب، ومن التعليم إلى التقنية، وصولًا إلى رؤى مستقبلية، تؤكد أن الترجمة ليست مجرد أداة تقنية بل مشروعًا حضاريًا رائدًا.

 

المداخلة الأولى: مراحل تطور الترجمات الصينية لمعاني القرآن الكريم

توقفت المداخلة الأولى التي ألقاها أ.د. دينغ جون (أحمد لطيف)، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط، عند دخول الإسلام المبكر إلى الصين سنة 31 للهجرة مع وصول مبعوث الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو الحدث الذي اعتُبر بداية لمسار طويل أثمر لاحقًا وجودًا إسلاميًا واسعًا يزيد اليوم عن عشرين مليون مسلم. وقد تناولت المداخلة تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية على مدى أكثر من ثلاثة قرون، حيث بدأت في القرن السابع عشر بمحاولات محدودة لترجمة بعض الآيات بغرض الاستشهاد في المؤلفات الدينية. وفي القرن التاسع عشر ظهرت ترجمات مختارة لبعض السور والآيات التي يكثر تداولها في المناسبات الدينية، مثل كتاب تفسير ختم القرآن. ومع أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين انطلقت مشاريع الترجمة الكاملة، فصدرت في بكين سنة 1927 أول نسخة كاملة منقولة عن الترجمة اليابانية، وتلتها ترجمات متعددة تجاوزت أربعة عشر عملاً من بينها ترجمة الأستاذ محمد مكين في جامعة بكين. ومع دخول القرن الحادي والعشرين أخذت هذه الجهود طابعًا تفسيريًا أوسع، وبرزت مشاريع جماعية تحت إشراف الجمعية الإسلامية الصينية. وأبرزت المداخلة أن الترجمات الصينية للقرآن تميزت بتنوع أساليبها بين الكلاسيكية القديمة واللغة العصرية الحديثة ولغة المساجد، وأسهمت بعمق في نشر المفاهيم الإسلامية وتعزيز التبادل والتفاهم بين الحضارتين الصينية والعربية الإسلامية.

 

المداخلة الثانية: ترجمة أدب شانغهاي وتلقيه في العالم العربي

أشادت أ.د. لو يي وي (سامية)، أستاذة في كلية الدراسات الآسيوية والإفريقية، بالدور الذي تؤديه الجائزة في تعزيز الحوار الثقافي بين الصين والعالم العربي، وأكدت أن أدب شانغهاي يشكّل جسرًا حضاريًا متميزًا، بما يحمله من تجربة أدبية متجذرة في الثقافة الصينية ومفتوحة على الحداثة العالمية. وأشارت إلى أن ترجمة هذا الأدب إلى العربية بدأت منذ منتصف القرن العشرين، وأسهمت فيها مؤسسات أكاديمية وثقافية بارزة في كل من الصين ومصر وسوريا. وقد مرت الترجمة بمرحلة أولى عبر اللغات الأوروبية، ثم تطورت إلى الترجمة المباشرة من الصينية، مما أتاح للقارئ العربي تواصلًا أكثر أصالة مع النصوص.

كما أبرزت أن أعمال كبار الأدباء مثل لو شيون وماو دون وبا جين، والكاتبات مثل وانغ آن يي ودينغ لينغ، إضافة إلى المسرحيين لاو شه وتساو يو وجوو موروو، وجدت صدى واسعًا لدى القراء العرب لتقاطعها مع قضايا النهضة الاجتماعية والعدالة والحرية.

وأكدت أن أدب شانغهاي، بترجماته وتلقيه في العالم العربي، لم يقتصر على تعزيز المعرفة بالصين، بل أثرى أيضًا الأدب العربي نقدًا وإبداعًا، مشكلًا نموذجًا حيًا للتبادل الثقافي والتقارب الإنساني بين الحضارتين.

 

المداخلة الثالثة: ممارسات وإنجازات قسم اللغة العربية لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية في إجادة رواية قصص الصين وتعزيز انتشار الكلاسيكيات الصينية عالميا

سلّطت د. تشن يوه يانغ (فهيمة)، وكيلة كلية الدراسات الآسيوية والإفريقية، الضوء على قسم اللغة العربية في الجامعة، أحد أقدم الأقسام في الصين، الذي يحتفل بمرور خمسةٍ وستين عامًا على تأسيسه. وأوضحت أن القسم لم يقتصر على إعداد الكفاءات اللغوية، بل عمل على مد جسور التفاهم بين الصين والعالم العربي من خلال ترجمة ونشر الأدب العربي الكلاسيكي مثل أعمال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وجبران خليل جبران، وكذلك نقل الفكر الصيني إلى العربية بجهود بارزة لمجموعة من الأساتذة. كما أشارت إلى حصول بعض من أساتذة القسم على جوائز دولية مرموقة، ما عزز مكانة الجامعة الريادية في الدراسات العربية وفتح آفاقًا أوسع للتعاون الأكاديمي مع المؤسسات العربية.

واختتمت المداخلة بالتأكيد على مكانة الجامعة الريادية في تدريس وبحث الدراسات العربية في الصين، وإبداء الاستعداد لتعزيز التعاون الأكاديمي مع المؤسسات القطرية والعربية بما يخدم الحوار الحضاري بين الجانبين.

 

المداخلة الرابعة: الممارسة والترجمة للثقافة الصينية إلى العربية وتقييمها من منظور المتجهات الدلالية

ركزت د. جيو شو ون (ليمونة)، أستاذة مساعدة بكلية الدراسات الآسيوية والإفريقية، على التحديات التي يواجهها المترجم عند التعامل مع الرموز والصور الثقافية في النصوص الصينية، مثل العبارات التي قد لا يفهمها القارئ العربي دون خلفية ثقافية. وأوضحت أن المترجم يقف بين خيارين صعبين: الترجمة الحرفية التي قد تفقد المعنى، أو التفسيرية التي قد تُضعف خصوصية النص.

وانتقلت إلى استعراض تجربة بحثية حديثة في توظيف الذكاء الاصطناعي عبر تقنية المتجهات الدلالية (Semantic Vectors)، التي تمكّن من تمثيل الكلمات في فضاء رياضي وحساب المسافة بين الأصل والترجمة لقياس مدى الدقة الدلالية. وأبرزت أن هذه التقنية تساعد في اختيار الترجمة الأقرب، ومراجعة النصوص، وتصحيح الأخطاء، بل وتمتد فائدتها إلى تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.

غير أن نجاح هذه الأدوات مرتبط بجودة النماذج وحجم البيانات المتاحة، وهو ما يمثل تحديًا خاصًا للغة العربية التي تعاني من نقص في الموارد الرقمية الدقيقة. كما أن الذكاء الاصطناعي يمثل أداة داعمة ومساندة للمترجم، لكنه لا يمكن أن يحل محل الحس الثقافي والإنساني الضروري لنقل روح النصوص وبناء جسور التفاهم بين الصين والعالم العربي.

 

المداخلة الخامسة: الصعوبات التي يواجهها الطلاب العرب في الترجمة من الصينية إلى العربية

لاحظت د. تشانغ شيو لي (أميرة)، مدرّسة بالمعهد العالي للترجمة، من خلال تدريسها لأكثر من 150 طالبًا عربيًا، أنّ لديهم قدرة على التأمل العميق قبل الصياغة، لكنهم يواجهون صعوبة مع الأرقام والمصطلحات الصينية الدقيقة عند الترجمة بين العربية والصينية. فالأرقام تحديدًا تشكل عائقًا بسبب اختلاف طرق التعبير بين اللغتين، وكذلك المصطلحات السياسية والتقنية والأمثال الشعبية التي تتطلب فهمًا للسياق وبحثًا معمقًا.

لذلك اعتمدت في تدريسها على أساليب تفاعلية مثل التدريب على قراءة الأرقام ومقارنة النصوص بين اللغتين وربطها بأمثلة واقعية، وهو ما أثبت فعاليته. ومن خلال التدريب المستمر والممارسة الفعالة، يمكن للطلاب العرب والصينيين أن يتجاوزوا كل هذه التحديات.

 

المداخلة السادسة: تغيير النسق الوجداني بين الثقافات: الترجمة المتبادلة بين الصين ودول الخليج العربية نموذجا

تحدث د. لي شي جون (لطيف)، باحث بمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، عن تجربته في الترجمة المتبادلة بين الصين ودول الخليج العربي، مبرزًا أثرها في تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب. وأشار إلى مذكرة التفاهم الموقعة مع السعودية عام 2017، التي أسفرت عن ترجمة ونشر أعمال بارزة مثل غراميات شارع الأعشى وغفوة ذات ظهيرة، وإلى الترجمات الكويتية التي شملت وسمية تخرج من البحر وصمت الفراشات.

ولفت إلى الاهتمام الأكاديمي المتزايد بهذه الأعمال في الصين، خاصة رواية ساق البامبو التي كانت موضوعًا لعدة دراسات ورسائل جامعية. وأكد أن هذه الترجمات ساعدت على تصحيح الصور النمطية عن المجتمعات الخليجية وكشفت عن التناقضات بين التراث والحداثة، مشددًا على أن الترجمة، رغم بطئها، تظل وسيلة فعالة لتعزيز التراث الإنساني المشترك، مع الإشادة بدور جائزة الشيخ حمد في دعم هذا التوجه.

المداخلة السابعة: الترجمة جسر الحضارات… من الإرث العريق إلى العصر الذهبي الجديد

أعرب أ.د. وانغ يو يونغ (فيصل) مدير معهد دراسات الترجمة بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، عن إيمانه بأن الترجمة ليست عملية ميكانيكية بل فعل حضاري وإنساني عميق، وهي الجسر الذي يربط بين الصين والعالم العربي منذ طريق الحرير وصولًا إلى مبادرة الحزام والطريق. ومن خلال بحثه الأكاديمي وترجماته المتبادلة سعى إلى تعريف القارئ الصيني بالأدب العربي الحديث مثل رواية الوارثة وكتاب جدة، وفي المقابل قدّم للقارئ العربي نماذج من الفكر والأدب الصيني. وتبقى هذه الجهود المتواضعة جزءًا من مشروع أوسع لبناء جسر معرفي متبادل. لكن التحديات مستمرة، ومنها نقص المترجمين المتخصصين، وصعوبة نقل بعض المفاهيم، وضعف وصول الترجمات إلى الجمهور. ولذلك يرى ضرورة إعداد جيل جديد من المترجمين، وإنشاء أدوات رقمية مشتركة، وتعزيز التعاون لضمان نصوص أكثر عمقًا ودقة.

نشر :